الأحد، 19 يناير 2014

الكفن حين يهب القاتل الحياة وفق عرف "القودة" بمصر




في موكب يضم المئات من عائلة الخوايصة مشي سالم ابو خاص بجوار فردين من المباحث وفي حراسة بعض افراد الشرطة، سلك الطريق الرئيسي بالقرية وهو حاملا كفنه علي يده ليقدمه لعائلة الرضوانة لينهي الثار المشتعل بين العائلتين منذ اكثر من عشرة سنوات و الذي راح ضحيته خمسة رجال حتي الان، كل هذا كان يدور بذهنه وهو داخل الى الصوان الذي اقيم امام دوار الرضوان حاملا كفنه فوق يديه الممدودتين للأمام، وقع بصره بمجرد دخوله علي عضوي مجلس الشعب ورجال الدين الذين تدخلوا لانهاء هذا الصراع الي جانب مدير الامن وظابط المباحث الذي زارهم اكثر من مرة وفي الوسط كان يقف سيد رضوان كبير الرضوانة، تقدم منه سالم مقدما كفنه ويقدم احد اقربه خروف لينام سالم بجوار الخروف في الارض ويقوم ولي الدم بذبح الخروف ثم يكبر ثلاث تكبيرات ويردد الجميع ورائه ثم يقول لسالم عفوت عنك ويقدم لسالم حذاء وعمامة جديدين وخرطوشة سجائر لتوزيعها على الحاضرين، وتبدا مراسم الضيافة بعد ذلك.

في صعيد مصر اعراف اجتماعية ذات خصوصية تزداد درجة هذه الخصوصية كلما اوغلنا في الصعيد، اهم هذه الاعراف هو العائلة الذي يكون الولاء لها قبل الفرد بل قبل الدولة في بعض الاحيان، ايضا الثأر هو عرف اجتماعي مستقر في معظم أرجاء الصعيد وهو الوجه الآخر لهيبة العائلة وكرامتها داخل مجتمعها، وأن العائلة بجميع أفرادها مسؤولة عن الأخذ بالثأر، و بالطبع يلزم هذا العرف القاسي وجود السلاح الذي يعتبر في منزلة الولد عند الصعيدي، وكان من التقاليد الراسخة ايضا في الصعيد والمتعلقة بالثأر ما يسمي بالقودة وتعني أن القاتل قد اقتيد لأهل القتيل ليفعلوا به ماشاءوا.. وطقوس القودة فى معظم قرى الصعيد متشابهة، وبرغم تشابه ظروف القودة في معظم قري الصعيد الا انه تختلف الان عن فترة سابقة حيث ظهرت في مصر طريقة جديدة للقودة منذ الثمانينيات وهو ما يفسره لايلاف الباحث الصحفي محمود الدسوقي صاحب اول دراسة من نوعها تتحدث عن مدارس القودة في الصعيد قائلا القودة تعني اقتياده اليك فاهب له الموت او الحياة وهى الحياة التى تأخذ شكل الامل والاستمرار فى الرضوخ لاحكام من يقبل الصلح وهى هيئة الموت المتعمد الواضح.


 وهناك أيضا في نفس الموضوع الجودة التى تكون بتعطيش الجيم وهي طريقة الموت الخطأ حين لا يستدل على القاتل الحقيقى فى مشاجرة لذلك على العائلة المعتدية أن تقدم شخصا يرتضى ان يحمل ( الجودة ) ويسمى الحامل للكفن جودة لانه أجاد بنفسه لردم الدم بين العائلتين.

ويضيف الدسوقي أن القودة اليوم تختلف في طريقتها عن فترة سابقة وأن الطريقة الحالية تسمي المدرسة الرابعة للقودة وكانت المدرسة الأولى تسمي مدرسة العبابدة نسبة إلى قبائل العبابدة وهي مدرسة تجبر القاتل على أن يحمل القودة وهو عريان وأن يكون ملفوفا بالكفن وان يكون حافى القدمين حليق الرأس وان يكون مجرورا من رقبته وهذه المدرسة كان لها شيوع فى صعيد مصر من الاربعينيات حتى نهاية الستينيات من القرن الماضى وهى كانت مدرسة قاسية لاتراعى الوضع الانسانى للقاتل بل تجبره على ان يسير مسافة 3كيلو متر مشيا على الاقدام حتى وصوله الى ديوان بيت القتيل وهى مدرسة تجبر القاتل على التخلى عن قبيلته والانضمام الى قبيلة القتيل نظرا لانه هو المتسبب فى اخلاء القبيلة من ولدها لذلك عليه ان يملء فراغ القتيل بل يجبرونه على الزواج منهم ويعطونه ما يتعايش منه ويصبح هذا الشخص ملكهم واذا مات يدفنونه فى مقابرهم ويقيمون له سرادق العزاء بل اذا قٌتل يؤخذ بثأره، أما المدرسة الثانية وهى مدرسة اقليم أدفوا باسوان في اقصي جنوب مصر وبعض قرى قنا الجنوبية وهى مدرسة تجبر القاتل على ان يرتدى الجلباب الاسود القصير اى فوق الركبة ويكون حافى القدمين حليق الرأس مجرور الرقبة وهذه المدرسة لايوجد فيها زواج للقاتل من أهل القتيل نظرا لانها مدرسة أخذت حيز مكانى لقبائل لا تسمح لبناتها للزواج من غريب ولكن توجد فيها اقامة للقاتل عند اهل القتيل ولكن دون اختلاط بهم اما المدرسة الثالثة فى مدرسة ( الاسرة الدندراوية ) وهى التى أرساها الامير العباس الدندراوى وهى مدرسة تُجبر القاتل على أن يقدم القودة وهو مرتدى الجلباب الاسود المقلوب وان يكون مجرورا من رقبته وحافى القدمين وهذه المدرسة تقوم باعدال الجلباب الاسود للقاتل حين يقف امام اهل القتيل وفلسفة هذه المدرسة تقوم على اساس ان اعدال الجلباب للقاتل نوع من اعدال هيئته وحاله من الممات الذى كان ينتظره الى الحياة والامل فى البقاء فى الدنيا.


واخير المدرسة الاخيرة التي اصبحت اكثر احترام للوضعية الانسانية لمظهر القاتل الحسى الظاهر للعيان وهو يحمل القودة قطعة القماش الكفن بدلا من مظهره الذي لا يحترم انسانية من يقدم كفنه في المدارس القديمة.ولكن مع هذا صاحب المدرسة الجديدة حالة من الاحتقان لدي الكثير من العائلات التي تكون اطراف الصلح والسبب هو اجراء الصلح تحت ضغط كما حدث عندما قام أفراد من عائلة الفراجية بإطلاق النارعلي فرد من عائلة الهوابش في مركز ابوتشت بمحافظة قنا الواقعة في صعيد مصر برغم من ان العائلتين حدث صلح بينهم قبل الواقعة بشهور، وحالة الاردتداد عن الصلح هذه يفسرها الدسوقي لايلاف قائلا ان المدرسة الرابعة قائمة علي هيئة لجنة التحكيم وهى لجنة تُشكل بعدد فردى من قضاة الدم فهى لاتقل عن ثلاثة ولا تزيد عن احدى عشر قاضيا وهى لجنة تتحقق من الحقيقة ويأخذوا أقرار كتابى ويزيل عن طريق محكمة شرعية ويسلم للشرطة بالقودة الجبرية وهذه اللجنة يكون عليها اقرار عقوبة لمن ينقض القودة او لا يقبلها فالقانون العرفى يعطى الحرية لاهالى القتيل اكثر ما يعطى الحرية لاهالى القاتل واذا ارتضت قبيلة القتيل حمل القودة اليها ورفضتها قبيلة القاتل على اللجنة ان تحكم باهدار دم القاتل فى مكان عام،وبالتالي تكون عائلة القاتل مجبرة علي القودة ويساعد علي هذا تدخل الامن للانتهاء من هذه النزاعات ورغبة بعض المسئولين ان يشار لهم انهمكانوا السبب في فض ارساء الصلح حتي ون كان صلح يشبه النار تحت الرماد قابلة للاشتعال في اي وقت وهكذا يبقي الصعيد في مصر اسير لعادات قديمة تفتح انهار من الدم و هي الثار من ناحية و في المقابل الاسس لتي يتم علي اسسها القودة( الصلح ) هي مجرد ستار تختبي النار‮ ويبقي الصعيد في مصر في حاجة الى مدرسة جديدة للقودة تتلافي عيوب المدارس السابقة طالما الثار مازال ساكن في العقول.

- See more at: http://www.elaph.com/Web/Reports/2009/10/495694.htm#sthash.jsywnAq5.dpuf

ليست هناك تعليقات: