الأحد، 24 مايو 2009

مقاهي وسط البلد بالقاهرة.. متعة الفرجة المفقودة


بالرغم من تغير الزمن والشخوص فإن إعادة افتتاح مقهى ريش في وسط المدينة بالقاهرة؛ العاصمة المصرية؛ في شهر مارس الماضي متزامناً مع مرور 101 عام علي إنشائه؛ شكل معبراً للحنين للفترة الخصبة التي كانت تعيشها مقاهي وسط البلد التي يرتادها المثقفون. ومقهى ريش كان أحد المقاهي الشهيرة في وسط البلد وحظي في الحياة الثقافية المصرية بوضع خاص باعتباره واحد من أقدم المقاهي التي شهدت فعاليات كثيرة في الحياة الثقافية المصرية، والذي أصبح بمرور الزمن ملمح أساسي من ملامح الوسط الثقافي. في ذلك الافتتاح كانت أبيات الشاعر الراحل نجيب سرور ضمن ما القي في تلك المناسبة: (نحن الحكماء المجتمعون بمقهى ريش..من شعراء وقصاصين ورسامين..ومن النقاد سحالى «الجبانات»..حملة مفتاح الجنة..وهواة البحث عن الشهرة..وبأي ثمن..والخبراء بكل صنوف «الأزمات» مع تسكين الزاي..كالميكانيزم!نحن الحكماء المجتمعون بمقهى ريش..قررنا ماهو آت:) قديما كان المقهى قبلة هواة الفن و الأدب، و مع الزمن استطاع أن يحمل طابعا خاصا و ملامح أقرب لملامح مرتاديه، و إن كان مثقفون رواد من عينة نجيب محفوظ أعطوا للمقهى أهمية خاصة، نظرا لما يمثله بالنسبة لهم من نافذة تطل على العالم الحقيقي الذي يستمدون منه أعمالهم و يشكل جزءا أصيلا في إبداعهم، و من هنا جاءت شهرة مقاهي أخري قديمة مثل على بابا و ايزافيتش و الحرية و ريش و غيرها من المقاهي التي لعبت دورا مركزيا كملتقى للأدباء و الكتاب و المفكرين، الأديب الكبير مكاوي سعيد يري أن المقهى "رافد قوي للحياة الثقافية حيث يتعرف الأديب من خلاله علي نماذج بشرية مختلفة لا يمكن أن يراه الكاتب في مكان آخر، أيضا كم كبير من القصص البشرية المختلفة ولهذا فهي تساهم بشكل كبير في صنع تجربة الكاتب، هذا بجانب المناقشات التي تتم بين المثقفين والتي تساهم في إثراء الحركة الثقافية وظهور تيارات جديدة".
مع الوقت بدأ دور هذه المقاهي يتغير، بعد أن اختفت معظم المقاهي القديمة مثل مقهى "ايزافيتش" و ظهرت مكانها مقاه جديدة،و غيرت بعض المقاهي أنشطتها و طبيعة روادها مثل مقهى ريش الذي أصبح يختار رواده من صفوة المجتمع الثقافي، بعد أن كان في فترات سابقة يستقبل الأدباء الشبان في الستينيات، واشترك في تنظيم ندوات خاصة للأديب نجيب محفوظ كل خميس بعد العصر،وهي الندوات التي خرج منها ما عرف فيما بعد بجيل الستينيات في الأدب وأبرزهم جمال الغيطانى ويوسف القعيد وعطية إبراهيم ومجيد طوبيا وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودى وغيرهم.
ورغم التغير الحادث بالنسبة للمقاهي، مازال بعضها في منطقة وسط البلد بالقاهرة قبلة للأدباء و الفنانين، هواة و محترفين، محمد الكفراوي الشاعر الشاب يقول: "من أهم تلك المقاهي و التي استمتعت بالجلوس عليها لسنوات طويلة لتبادل الحديث مع أصدقاء يكتبون الشعر و القصة و الأغاني أو يرسمون أو يعزفون و يغنون، مقهى الحرية و زهرة البستان و افترايت و كافتيريا حسن " المعروفة بين الشباب بقهوة شامبليون او "عم صالح " و كذلك مقهى "التكعيبة و الندوة الثقافية و سوق الحميدية و البورصة".
ويؤكد الكفراوي أن جميع هذه المقاهي يرتادها نفس الأشخاص تقريبا و لكن في أوقات متفرقة من العام بفعل الملل و حب التغيير أو بفعل الطقس، و إن كانت هذه المقاهي مفتوحة للجميع و بها كل الطبقات و ليست مقتصرة على الأدباء و المثقفين، إلا أن أغلب روادها من تلك الفئة الأخيرة، و في أكثر من مناسبة حضر ندوات أقيمت على هذه المقاهي ـ هناك ندوات تقام بصفة دورية ـ و في مناسبات أكثر تحولت جلسات الفضفضة مع الأصدقاء إلى ما يشبه الندوة أو ورشة الكتابة، فكثيرا ما خرجت مشاريع فنية و أدبية من رحم تلك الجلسات، و كثيرا ما ينسى أو يتناسى الجالسون الغرض الأساسي من تلك الجلسة و هو قتل الوقت بلعب الطاولة أو الشطرنج أو الكلام الذي عادة ما كنا نجتهد حتى يظل فارغا، و غير مشوه بالمضمون، إلا أن خيانة ما كانت تتم و يحمل الكلام مضمونا و تتحول الجلسة الى مسابقة ذهنية يربح فيها الأكثر هدوء أو إحباطا أو إشراقا في الروح.
ظواهر عديدة دخلت الى مقاهي اليوم كما انتشر الأدعياء و أنصاف الموهوبين و أصبحوا يتدخلون في الحوارات المتناثرة حولهم بشكل أبله غير مرغوب فيه، و اجتذبت تلك المقاهي صنوفا من البشر لا يعلم هويتهم إلا خالقهم، وتلاشى تدريجيا الطابع المميز الذي كانت تنفرد به تلك المقاهي، كما ظهرت مقاهي جديدة بدأت تجذب إليها جمهور المقاهي القديمة، مثل مقهى "البورصة" الذي شهد في إحدى الفترات حركة نزوح إليه من كل المقاهي الأخرى و خاصة التكعيبة و افترايت و الحرية و البستان، و بعد أن كان من الممكن إن تجلس على مقهى فتفاجأ بعرض مسرحي يقدم أمامك كما كان يحدث في التكعيبة بفضل فرقة حالة لمسرح الشارع، أصبح من الضروري إذا قررت أن تنزل وسط البلد أن تبحث عن مقهى منعزل و بعيد عن المقاهي المعتادة،التي يرتادها الأدباء و الفنانون، لتحصل على متعتك الشخصية في الفرجة على العالم بهدوء و سلام و طمأنينة دون أن يقفز أحدهم داخل دماغك و ينتزعك من الاستغراق في متعتك هذا ما يؤكده الناقد محمود الورداني قائلا "انتشرت علي مقاهينا وجوه جديدة من أولاد وبنات­ أغلبهن محجبات­ يدخنون الشيشة، ويتلاصقون حول المناضد، ويتشاتمون ويضرب بعضهم بعضا، وسماسرة وبائعين ومشترين لكل شيء وأي شيء، كما انتشر الخرتية بشكل مبالغ فيه و لا يمكن مقاومته، نظرا لعشق السياح أو الطلبة الأجانب لتلك المنطقة و تمركزهم فيها، و الخرتي لمن لا يعلم، مهنة قديمة تعود لعصر محمد على و معناها الشخص الذي يصطحب السياح وفقا لخريطة، لهذا في أحيان قليلة أمر علي "الزهرة" - يقصد مقهى زهرة البستان-، لأجد صديقا قديما أو اثنين فأجلس دقائق قليلة لأدرك حجم الكارثة التي أصابتنا جميعا، ثم أنهض مغادرا ".
http://www.elaph.com

ليست هناك تعليقات: